حق اللجوء البيئي

عدد المساهمات : 100 تاريخ التسجيل : 28/08/2009

كان الجو ربيعياً في ذلك اليوم الذي أعقب رش غرف المكاتب بالمبيدات الحشرية ، وبينما كنت أتفقد أنحاء المكتب لفت نظري وجود سحلية صغيرة تختفي بين زوايا الجدران خلف الباب. أدركت على الفور أن هذه السحلية قد هربت من الغازات السامة التي بثت في كل مكان طالبة حق اللجوء في حضرة مكتبي ذو الهواء النقي أسوة بالعنكبوت الذي أبرمت معه منذ سنوات معاهدة صداقة وسلام نسج على إثرها بيوته حول النوافذ العليا جاعلها حصوناً يصطاد من خلالها الحشرات الدخيلة مقابل تأمين الحماية والأمن له.

تناولت ورقة مقوى وأخذت بدأب محاولاً التقاط السحلية لنقلها إلى مكان ما بجانب النافذة لتنظيف رئتيها الصغيرتين من السموم المنبثة بهما. وبينما كنت منهمكاً من أجل تحريكها فوجئت بأحد الزملاء يدخل الغرفة وما أن اقترب مني وشاهد السحلية حتى قفز كالنمر ودفعني جانباً كمن يحاول حمايتي من خطر ماحق، ثم أخذ يضرب بحذائه الرياضي السحلية وهو يصرخ "عدو الله! .. عدو الله!".

فوجئت بهذا الهجوم الضاري وحاولت جاهداً منعه من سحق السحلية بقدميه لكن هجومه الكاسح استمر إلى أن هدأت نفسه الثائرة واطمأن بأن " عدو الله " قد لفظ أنفاسه الأخيرة .. ثم ودعني وتركني مندهشاً وحائراً من جهلي عن إدراك حقيقة هذا الكائن الصغير الذي تجرأ على معاداة خالقه.

ثم أخذت ألوم نفسي على تصرفي وإن كان بريئاً لكنه تسبب في استدلال الزميل الغيور على مكانها ، لكن ما أن ألقيت نظرة عليها حتى تبين لي أنها لم تُسحق تماماً كونها احتمت بزاوية الجدارين ، فنقلتها على الفور بجانب النافذة متأملاً أن يساهم الهواء العليل في إنعاشها وإفاقتها من هول الصدمة ، ثم أخذت أبللها بقليل من الماء لترطب ريقها الذي أصابه جفاف الرعب.

لكن لا حياة بقيت لها .. فقد فشلت جميع محاولاتي في إعادة الروح إليها، وهي في بداية خطواتها البريئة متأملة العيش في بيئة متسامحة .. لكن قدمي زميلي سلبت منها حتى ذلك العالم الصغير الذي لجأت إليه .. ضارباً عرض الحائط بكل معاهدات حق اللجوء البيئي!

» تشكل الوعي البيئي