هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

مرحبا بكم في منتديات نسمة أسعدنا تواجدكم بيننا في آنتظار مشاركاتكم و تفاعلكم في المنتدى. تتقدم إدارة منتديات نسمة بأحر التهاني لكافة أعضاءها بمناسبة عيد الفطرالمبارك أعاده الله علينا وعلى الأ مة الاسلامية بالخيروالبركة..


 

 ورقة الحَور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جلال

جلال


عدد المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 28/08/2009

ورقة الحَور Empty
مُساهمةموضوع: ورقة الحَور   ورقة الحَور I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 17, 2009 4:28 pm


ورقة الحَور Deer20scenic2020animx3

كنت أعبر النفق المؤدي إلى القطارات الكهربائية تحت الأرض كي أنتقل إلى الضفة الأخرى من الطريق ، عندما فوجئت بتوقف السلم الكهربائي الصاعد ، فاخترت السلم الحجري ، وبدأت بتمهل في الصعود ، وقبل أن تطأ قدماي العتبة الأخيرة لفت نظري وجود ورقة شجرة حَور جافة اختفى لونها الأخضر وحل مكانه لون العصف الأصفر الذي ينذر ببداية قدوم فصل الخريف.

شدني مظهر ورقة الحَور التي تشبه كف الطفل ملقاة بفعل الرياح بعيدة عن منبتها الأصلي ، وسحبني خيالي بعيداً إلى حيث أشهر الربيع الأولى، عندما نبتت هذه الورقة على غصن جذع أمها الحنون مثل ألوف شقيقاتها الأخريات ، ثم نمت وربت مستمتعة بالهواء الطلق وأشعة الشمس الحانية ، فأدركني الحزن على مشاهدة أفول حياتها بهذا الشكل على أرض إسمنتية بعيدة كل البعد عن منبت رأسها، بعد عمر قصير يفصل ما بين الربيع والخريف.

مما يؤسف له أن توسّع المدينة الإسمنتي جعل من عناصر الطبيعة غريبة في موطنها، ومع ذلك يجاهد الحيوان والشجر ضمن نطاق ضيق من أجل البقاء وسط هواء بُثت فيه السموم من قبل المصانع والعربات.

الدأب الإنساني نحو التوسع الإسمنتي لا يهدأ ، على الرغم من وجود فئة قليلة تود إصلاح ما أفسده دعاة التوسع الحضاري على حساب الريف اليتيم الذي لا أب له ولا صاحب.

بيد أن حماسة تلك الفئة لإصلاح بعض ما أفسده الدهر قد لا يبدو كافياً بل ولا يبشر بالأمل إن لم يكن عملها وفق إدراك عميق بمفهوم دورة الحياة على كرتنا الأرضية. فسلسلة الحياة الأرضية مبنية على النفع المشترك لكل عناصر الأرض من هواء وماء ويابسة وحيوان وشجر. وحلقات هذه السلسلة مرتبطة مع بعضها البعض من خلال ذلك الرابط الحيوي.

من هذا المنطلق وإن كان المظهر السائد عن الحياة الطبيعية قد يوحي بصراع كائناتها المتواصل من أجل العيش والبقاء ، إلاّ أن معاينة حياة تلك الكائنات عن قرب وبنظرة علمية محايدة يضع أمامنا حقيقة ناصعة البياض وهي أن ذلك الصراع ليس من أجل طغيان أو إفناء مخلوق لاخر بل هو لب التوازن الطبيعي وأحد أهم مبادئه ، القائمة على القسط وحق الحياة لجميع كائناته.

الحقيقة أن ممارسات الإنسان في الطبيعة هي الوحيدة التي قضت على حلقات كثيرة منه وأخلت بالتوازن الطبيعي أدى بعضها إلى حدوث استيلاء بيولوجي لبعض الكائنات الأرضية على الأخرى.

ففي بداية القرن العشرين قرر المسئولون بولاية فلوريدا الأمريكية تجفيف المستنقعات للقضاء على البعوض من خلال غرس نوع من الشجر تم جلبه من أستراليا يدعى "ميلالوكا". وبالفعل لم يمر وقت قصير حتى افترشت تلك الأشجار الضيفة التي تنمو بسرعة هائلة مساحة تلك المستنقعات.

غير أن استيلاء هذا النوع من الشجر على تلك المناطق تسبب بالقضاء على مخلوقات أخرى غير البعوض من النبات والحشرات والطيور تسبب في تخريب دورة الحياة الطبيعة فيها ازداد مع انتشار تلك الأشجار بشكل جنوني.

ظهر للعيان الأضرار البيئية التي تسببت بها الأشجار المهاجرة فقام الأهالي بحملة طوعية لقطع جذوع تلك الأشجار بكل ما يملكون من أدوات حادة. لكن عمليات القطع زادت من قوة الأشجار بل وساعد على نمو أغصان جديدة أدى إلى طرد نباتات أخرى محيطة من خلال السم الذي تقوم بإفرازه من جذورها تحت التربة!

إفراز السم انتقل إلى الهواء وتسبب في إحداث أضرار للجهاز التنفسي للناس وإصابتهم بظاهرة حكة الجلد. ثم لم تنفع عمليات حرق تلك الأشجار كونها تختزن في جذوعها كميات كبيرة من الماء، أما قشرتها الخارجية فعلى الرغم من احتوائها على نوع من الزيت يزيد من شدة الحريق، لكنه لا يضر بلب الشجرة. وبعد أيام قليلة شوهدت أغصان جديدة تنبت مكان الأغصان المحروقة وكميات هائلة من البذور قامت بنثرها هنا وهناك لتصبح أشجاراً طولها مترين خلال عام!

عمليات غرس أنواع معينة من الشجر لمحاربة التصحّر لن تجلب سوى الأضرار إن لم يتم اختيار الأنواع المناسبة التي تناسب الحياة البيئية في تلك المناطق. لأن لكل نوع من الشجر دورة حياتية تتسبب في استقطاب أنواع معينة من الحشرات والطيور والحيوانات تناسب تلك الأشجار. بالإضافة يجب إدراك أنه لا فائدة من غرس كل الأماكن القاحلة بالأشجار، لأن التوازن الطبيعي يحتاج إلى وجود الصحارى بمخلوقاتها جنباً إلى جنب مع وجود الغابات والمستنقعات ومخلوقاتها.

في زمن العولمة وبعد تطور وسائل النقل في اليابسة والهواء والماء زادت فرص انتقال مخلوقات نباتية أو أرضية أو مائية من بيئتها الأصلية إلى بيئات أخرى قد تتسبب بإخلال التوازن الطبيعي وتصيب أضرارها مخلوقات الأرض نتيجة لظاهرة الاستيلاء البيئي.

ربما لم تدرك ورقة الحَور كل هذه الأشياء، لكن من المؤكد أنه لو كان لها لسان لتمنّت علينا أن لا تطأها قدم بشر أو عجلات حافلة وعربة بل تهبط من علي لتختتم دورتها الحياتية تحت أغصان المكان الذي نبتت فيه، ليختلط سمادها مع تربتها، وليبقى لديها أمل في البعث مرة أخرى، من خلال جذور أمها الحنون تحت الثرى!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ورقة الحَور
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتدى البيئة والحياة الطبيعية-
انتقل الى: